منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 ظهرت على الساحة عدة أسماء في حركة حماس، كان منها محمد السنوار شقيق يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي للحركة الذي يعتقد مسئولون إسرائيليون أن له دوراً كبيراً في العملية خصوصاً أنه من ساكني الأنفاق. الحديث عنه تزايد عقب استشهاد أخيه منذ ساعات في عملية عسكرية إسرائيلية، فمن هذا الرجل؟
ولد محمد السنوار وكنيته «أبو إبراهيم» في خان يونس، يوم 16 سبتمبر عام 1975، لأسرة فلسطينية لاجئة، تعود أصولها إلى بلدة مجدل عسقلان المهجرة بقضاء غزة، وانضم إلى حركة حماس منذ تأسيسها عام 1987، وهو شقيق يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي للحركة، وشارك في الانتفاضة الأولى.
وتلقى محمد السنوار تعليمه الأساسي في مدارس تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وتأثر بشقيقه الأكبر يحيى في سن مبكرة، مما أهله للالتحاق بصفوف حركة حماس.
ويشغل صاحب الـ49 عاماً عضوية هيئة الأركان في حركة حماس التي تعد مركز قيادة كتائب القسام، الجناح المسلح للحركة، وبسبب قربه من قائدها العام محمد الضيف ونائبه مروان عيسى اللذين أعلنت إسرائيل اغتيالهما مؤخراً، أصبح أبرز المطلوبين على قوائم الاغتيال الإسرائيلية رفقتهما.
ويشرف محمد السنوار على تصنيع القنابل الملساء في كتائب القسام، وفي عام 2003 تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة، باستخدام عبوة ناسفة زرعت في جدار منزله بمدينة خان يونس، ودمر الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلته في أكتوبر من العام التالي.
وأصبح محمد السنوار قائداً للواء خان يونس عام 2005، وظهر لأول مرة في تسجيل نادر بثته كتائب القسام، عقب الانسحاب الإسرائيلي من غزة في 15 أغسطس 2005، لكن بصورة ظلية، واختفى من حينها حتى عام 2022، عندما ظهر عبر قناة «الجزيرة».
وبحسب «أرشيف نشرة فلسطين» فإن إسرائيل حاولت دون جدوى، اغتياله في 21 يونيو عام 2006، عبر استهداف سيارته من طائرة حربية إسرائيلية، بينما كان في طريقه من شمالي قطاع غزة إلى جنوبه.
وتعتقد إسرائيل أن محمد السنوار العقل المدبر لكثير من العمليات الفدائية، وأبرزها ما يسمى «عمليات الأنفاق المفخخة» التي استهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية، وأبرزها «الوهم المتبدد» قرب معبر كرم أبو سالم، شرق مدينة رفح عام 2006 التي نتج عنها أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وبعدها كان أحد المشرفين على مكان اختبائه لمدة خمس سنوات.
وتؤكد مصادر لصحيفة «تليجراف» البريطانية أن محمد السنوار متخصص في التسلل عبر الحدود، وعمليات الخطف في مقابل إطلاق سراح جميع السجناء، مشيرة إلى أن هناك سرية كبيرة تحيط به، لدرجة أن سكان غزة لم يعودوا يعرفونه.
وأشار مسئولون إسرائيليون إلى أن محمد السنوار، كان قائداً للجبهة الجنوبية في كتائب القسام، أو ما يطلق عليه الجيش لقب «لواء رفح»، وكان المسئول عن حفر بعض الأنفاق.
وظهرت أهمية محمد السنوار في حركة حماس بقوة، عند مفاوضات الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، في الصفقة التي عرفت بـ«وفاء الأحرار» عام 2011.
يروي محمد عبدربه مطر، في مؤلفه «الطريق إلى صفقة وفاء الأحرار» ،ما ذكره الأسير المحرر محمد الناعوق، أنه بداية من عام 2010، كانت هناك مفاوضات بقيادة محمود الزهار القيادي بالحركة، اقتربت من إنجاز صفقة تبادل بعد الموافقة على العروض المقدمة حينها، لكن يحيى السنوار الذي كان ضمن الأسرى الفلسطينيين منذ عام 1988، اعترض عليها ورفضها، بعدما علم بتفاصيلها من المحامي.
وفي هذه الأثناء اختلف يحيى السنوار مع محمود الزهار وخالد مشعل في هذا الشأن، وقال للأخير، «إن أردت إيقاف الصفقة سأوقفها»، ثم اتصل بشقيقه محمد السنوار، وقال له، «سلم على الحاج، واحكيله إن الأمانة اللي عنده ما تطلع»، وكان يقصد بالحاج أحمد الجعبري، وبالأمانة جلعاد شاليط.
ويؤكد رئيس مكافحة الإرهاب السابق بالموساد، في تصريحات لصحيفة «تليجراف» البريطانية أن محمد السنوار وضع قائمة الأسرى الذين سيجري إطلاق سراحهم، مقابل جلعاد شاليط، ولعب دوراً محورياً في تأمين إطلاق سراح شقيقه من السجن.
ذكرت تقارير إسرائيلية في أواخر عام 2012 أن محمد السنوار كان موقوفاً لمدة ثلاث سنوات، من قبل السلطة الفلسطينية، وشريكاً في التخطيط وتنفيذ عديد من العمليات ضد إسرائيل، وكان اسمه مرشحاً لخلافة أحمد الجعبري القائد العام لحركة حماس في قطاع غزة بعد اغتياله.
ولدى إسرائيل قناعة كبيرة أن مكانة محمد السنوار داخل حركة حماس، تكاد تفوق شقيقه يحيى، على الرغم من أن الأخير رئيس المكتب السياسي للحركة، وجاء ذلك نتيجة أن الأول لم يدخل سجون الاحتلال لفترات طويلة مثلما حدث لشقيقه، الذي ظل هناك 23 عاماً، وتلقبه قيادات تل أبيب بـ«رجل الظل» أو «الميت الحي».
كما أن محمد السنوار بجانب كونه بالخارج، كان أكثر أهمية من أخيه، وجزءاً كبيراً من قيادة حركة حماس، خصوصاً أنه تولى قيادة منطقة خان يونس منذ عام 2005، وتشير مصادر استخباراتية، إلى أنه دبر صعود شقيقه يحيى إلى السلطة في غزة بعد إطلاق سراحه عام 2011، وبعدها بقي في الظل.
وبناء عليه، حاولت إسرائيل مراراً وتكراراً اغتيال محمد السنوار، لكنها لم تتمكن من ذلك في ست مرات، كان آخرها في الحرب الإسرائيلية على غزة في مايو عام 2021، بحسب ما كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.
واستهدفت طائرات الاحتلال منزله في خان يونس جنوبي قطاع غزة، ودمرته بالكامل، في اليوم الثاني للحرب الإسرائيلية على غزة، في الثامن من يوليو 2014، وترددت أنباء حينها عن مقتله.
لكن في 23 من الشهر نفسه نفت كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، الأنباء التي ترددت عن اغتيال إسرائيل محمد السنوار.
وقالت الكتائب، في بيان لها آنذاك، «لا صحة للأنباء التي تحدثت عن اغتيال القائد القسامي محمد السنوار، وهذه إشاعات مصدرها العدو الصهيوني، وندعو الجميع إلى عدم التعاطي معها، ونطمئن شعبنا أن القائد السنوار يمارس مهامه ويقود جنوده في الميدان».
جاء ذلك بعد تداول صورة لشخص ملقى على سرير وملطخ بالدماء، زعم أنها لمحمد السنوار، لكنه بقي حياً، ويعتقد الإسرائيليون أنه كان أحد قادة حماس الذين هندسوا عمليات الاختطاف والتسلل عبر الحدود.
وبعدها بـأربع سنوات، وتحديداً في مايو عام 2018، نشر الملحق العسكري في شبكة «ريشت كان» الإسرائيلية، قائمة لمن سماهم أخطر المطلوبين لإسرائيل، من قادة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، الذين وضعتهم إسرائيل على قائمة الاغتيالات المحدثة، وكان من بينهم محمد السنوار، وفقاً لـ«أرشيف نشرة فلسطين».
عُرف عن محمد السنوار الحيطة والحذر دائماً، حتى إنه لم يحضر جنازة والده، الذي توفي في يناير عام 2022، وعندما ظهر في أكتوبر من العام نفسه، من خلال برنامج «ما خفي كان أعظم»، على قناة «الجزيرة»، كان ذلك بصورة ظلية.
وفي هذه المقابلة، أكد محمد السنوار أن كتائب القسام تعرف مواضع ألم الاحتلال الإسرائيلي، وكيف تضغط عليه، وأن الحل لتحرير نحو خمسة آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال يكمن في صفقات تبادل أسرى، من خلال خطف وأسر جنود إسرائيليين، مشدداً على أن حماس يمكنها بسهولة إطلاق الصواريخ على تل أبيب من غزة، وخلق معادلات جديدة.
ومع بداية عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر الماضي، عاد اسم محمد السنوار بقوة، بعدما أكدت عدة تقارير استخباراتية إسرائيلية، أنه أحد مهندسي العملية، رفقة شقيقه يحيى السنوار.
ونشرت صحيفة «تليجراف» البريطانية في 11 نوفمبر الماضي، تقريراً بعنوان «زعيم حماس عاد من الموت ليقود الهجوم»، أكدت فيه أن جواسيس إسرائيل يعتقدون أن محمد السنوار يختبئ في أنفاق تحت غزة منذ سنوات، مشيرة إلى أنه العقل المدبر لهجمات السابع من أكتوبر الماضي.
وجاء ذكر جملة «عاد من الموت ليقود الهجوم»، في إشارة إلى إعلان إسرائيل عن اغتياله الوهمي في عام 2014، ومن ثم قيادته عملية «طوفان الأقصى».
وقالت مصادر مقربة من الاستخبارات الإسرائيلية، للصحيفة البريطانية، إن محمد السنوار يعيش تحت غطاء من السرية في الأنفاق تحت قطاع غزة منذ سنوات.
ويؤكد رئيس سابق لمكافحة الإرهاب في «الموساد»، أن محمد السنوار «كان بنسبة 100% أحد أعضاء الفريق الأساسي الذي خطط لهجوم السابع من أكتوبر»، مشدداً على أنه «شخص مهم للغاية في القيادة العسكرية، بخاصة أنه يحتل المرتبة السابعة على قائمة المطلوبين».
وفي أواخر ديسمبر الماضي، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي، فيديو قال إنه لمحمد السنوار، أثناء تجوله في أحد أنفاق غزة بسيارته، بخاصة أن الرجل قضى معظم حياته في الأنفاق.
ويعتقد مسئولون إسرائيليون أن محمد السنوار حالياً، يشرف حالياً على مخبأ وتحركات الأخير، بجانب مهمة إدارة العمليات، أكثر المهام اللوجيستية حساسية بكتائب القسام.
كما تشير بعض التقارير إلى أن محمد السنوار أصبح الخليفة المحتمل لمحمد الضيف القائد العام لكتائب القسام الذي أعلن الاحتلال الإسرائيلي اغتياله في الأول من أغسطس الجاري، بخاصة أنه شقيق يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في غزة، وكان مقرباً من الضيف ونائبه مروان عيسى، واكتسب منهما خبرات كثيرة في الفترات الماضية، وحالياً أصبح ضمن الأسماء الكبيرة في الحركة.